كورونا بين “الشلل الطبي” و”الشلل الاقتصادي”… الدولة أمام أصعب الخيارات
حال من “شبه العجز” كي لا نرسم صورة سوداويّة في الحديث عن التعاطي اللبناني الرسمي والشعبي لمواجهة جائحة كورونا، الذي إذا ما استثنينا منه الجهود الطبيّة الحثيثة مشكورة، ووعي قلّة قليلة من النّاس فيمكن الحديث عن شللٍ تام يخيّم على الأداء اللبناني في مواجهة هذه الجائحة التي أربكت دول العالم، في ظلّ التحذيرات الصحيّة المتواصلة، حول ضرورة السيّر بخطة وطنيّة شاملة متكاملة للحدّ من إنتشار كوفيد 19، في ظلّ إرتفاع أعداد الإصابات بالفيروس.
وفي وقت يواصل فيه الجسم الطبّي التصدّي للوباء بما هو متاح بات الخطر محدقاً بأعضائه، بعد أن ناهز أعداد المصابين في هذا القطاع حوالي الـ 1500 حالة، ويمكن للجميع أن يدرك كيف يمكن أن يصبح الوضع، في حال بات الجسم الطبّي غير قادرٍ على إستكمال هذه المعركة القاسية.
يحاول وزير الصحّة حمد حسن ولجنة الصحّة العامّة والقيّمون على القطاع الصحّي الضغط ومنذ مدّة، لإتّخاذ قرار بإقفال البلد على أن يترافق مع إجراءات صارمة تتيح للجسم الطبّي لملمة قواه بحسب ما عبّر وزير الصحة حسن حمد، غير أنّ قرار الإقفال، لا يقارَب فقط من الزاوية الصحيّة، لإرتباطه بمجموعة من العوامل التي تفرض نفسها عاملاً رئيساً في إتّخاذ القرار من عدمه، وعلى رأسها العامل الإقتصادي، في ظلّ الظروف القاسية التي تعصف بلبنان.
لا يمكن إستثناء الشقّ السياسيّ من عمليّة الإقفال، في ظل إعلان بعض الجهات رفضها التامّ للالتزام بقرارات حكومة تصريف الأعمال، وهذا ما إنعكس عدم التزام في آخر قرار إقفال اتخذته الدولة اللبنانيّة.
وعلى خطّ قرار الإقفال الذي على ما يبدو وبحسب الأجواء بات قاب قوسين أو أدنى، في ظل تحميل القيّمين على القطاع الصحي المسؤولية لكل من لا يتعاون في الحد من إنتشار وباء كورونا، برزت مواقف عدة تحذر من خطورة إقفال البلد.
رئيس لجنة الصحّة النيابيّة النائب عاصم عراجي قال لـ”أحوال”: على من يرفض الإقفال أن يقدّم لنا حلّاً بديلاً، بعد أن باتَ في صفوف القطاع الصحّي ما يزيد عن الـ 1500 حالة مصابة بكورونا، بينها 17 حالة في العناية الفائقة، وإذا فقد القطاع الصحّي عافيته، فسنكون أمام كارثة كبرى”.
ولفت عراجي الى أنّ “الإقفال هو بهدف الحدّ من إرتفاع أعداد الإصابات، ورفع عدد أسرّة العناية الفائقة، وبالتّالي في حال لم تتعاون المستشفيات الخاصة، وتبدأ بإستقبال أعداد المصابين، في ظل استهتار البعض، سنصل الى المحظور”.
وتابع ” هنا لا بدّ من أن يتزامن الإقفال مع خطّة شاملة تلحظ النّاس المحتاجة، والتي تؤمّن قوتها بشكل يومي”.
وفي هذا الإطار قال نقيب الأطباء شرف أبو شرف “نريد الإقفال بسبب التفشي الكبير لكورونا”، ولفت الى أن “الحجر الجزئي لم يُعطِ مفعولاً إيجابياً”، مطالباً “بدراسة اقتصادية قبل الإقفال العام للبلاد”.
وتابع المواطنين “غير متعاونين مع التدابير الصحية ونطالب القوى الأمنية بتطبيق الإجراءات بصرامة”، مشيراً الى أن “هناك 17 طبيبا في العناية المشددة، وثلاثة أطباء توفوا، ومئة في الحجر المنزلي”، وأنه إذا “استمر الوضع على حاله، فن يكون هناك من يعالج الناس”.
في المقابل أكّد رئيس الإتّحاد العمالي العام بشارة الاسمر أنّ “نتائج الإقفال التّام كارثيّة على العمّال والحركة الاقتصاديّة”، داعيا الى “التشاور مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي”.
وقال في مؤتمر صحافي بعد لقائه وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن: “المستشفيات تتذرّع بأمور لوجستيّة لعدم استقبال المريض وهي ملزمة باستقبال الناس، ولا سبب لديها بعدم استقبال مريض كورونا.
بدوره غرّد النائب ميشال ضاهر عبر حسابه على “تويتر” رافضاً فكرة الاقفال، قائلاً “يكثر الحديث عن إقفال تام للبلد، والذي إن حصل سيكون وقعه مدمّراً، فلا البلد يحتمل، ولا باستطاعة الناس التزام هذا الإقفال نتيجة الأوضاع الاقتصاديّة والمعيشيّة الكارثيّة”.
ودعا الدولة “بما تبقى لها من هيبة”، على حدّ تعبيره، لـ” الضّغط على المستشفيات الخاصة لاستقبال المرضى، بعد دفع مستحقاتها، عوضاً عن هذا الإقفال”.
من جانبهم، أعلن أصحاب دور الحضانة عن اعتصام يوم غدٍ الأربعاء اعتراضاً على فكرة الإقفال العام”.
وفي السّياق، حذرت جمعية تجار طرابلس من الإقفال العام الذي يعرّض القطاع لخطر الزوال”.
قد يكون الإقفال التام بات ضرورياً، في خطوة استباقية قبل الشلل الطبّي الشامل، لكنّ انهيار الدولة وفقدان المواطن الثقة بها وبأجهزتها، يضاف إليه الإستثمار السياسي، يضع البلاد على مهبّ الرّيح، في حال لم يقتنع الجميع، أنّ جائحة كورونا قد تطيح بنا، وبأنّ الوضع الاقتصادي وانهيار ما تبقى من مؤسّسات قد يطيح بالبلد وأمنه الاجتماعي، ولن يكون هناك أي بصيص أمل، في حال لم يكن هناك رؤية تكامليّة مشتركة، تكلّل بالوعي المجتمعي، ويترفّع فيها الجميع عن المصالح الفئويّة الخاصّة”.
إبراهيم درويش